البتراءُ قلعة، وليست بقلعة.
متحفٌ ورديٌّ، زعفراني تحت سماء الشقاء في صحراء الأزل. مدينةٌ مكتنزةٌ بدنيا العجَب جئتُ أقتفي أثرَ البلحَ العراقي الذي وصلَ إلى هنا.
لبتراء الأردن أسماء وحكايات: باليونانية تعني "تعزِ"، وبالنبطية "رقيمو". بناها الأنباط سنة 400 قبل الميلاد. شكّلت الطريق التجاري الحيوي الذي يربط بين بلاد الرافدين ومصر.
الصخورُ الذهبُ تهجسها بين يديكَ لكنها تنأى مهابةَ أن توجِعَ التاريخَ الوردي من مَلْمَسِ الأصابع. الصخر المتناثر تحت الأقدام وبين حوافِر الخيول والجِمال، تهجسه قد تساقط توًّا من أعلى القمم كي يهيِّءَ السبيلَ إلى سيلِ الأقدام. أهجسه الصخر يفلتُ من قدمي وأنا أتنقَّلُ على أرضٍ مضمَّخة بأنفاس الأنباطَ والرومان والبيزنط.
الأخاديدُ المربعة، والمدورةَ بين الصخورِ مقابِرَ مفتوحة الأفواه، لكنها ليست قبوراً، ولا مدافِنَ. امتصت الأرضُ العتيقةُ الجثامين.
قبر النبي هارونَ مَعْلمٌ صامدٌ لا يبرحُ المكان.
أين الينابيع السبعة التي ضربها النبي موسى بعصاه فتفجرت؟ لماذا جفَّ الماء فيها؟ للأسطورةُ جمالها أيضاً في البتراء.
السِّيقُ الشاهقُ كالأنفاسِ الغريقة يضيق بتقارب لساني جبلين شاهقين كلما توغل المرء بعمق ينكمشُ ضوء الشمس، تهجس أنك في زاوية لا انفراج لها، وأن البتراءَ تنأى، لكن الفجوة سرعان ما تتسِّع وينفتح الشقُّ رويداً رويداً بين جبلين فيبرقُ الضوء لينبهر المرء ببناية شاهقة قُدّت نحتاً في الصخر بأيدِ مهرةٍ نُحات من ذاك العصر البهي. إنها الخَزْنةُ المزخرفة على الطريقة الرومانية، ثم ضريح المسلاَّت المنحوت في منحدرٍ صخري.
أين النفائسَ من توابِل ولآلئ.
أين الحرير من غزة ودمشق؟
أين الحناء من عسقلان، والزجاج بخزفياته الملونة من صيدا وصور؟.
سًمِّيت بالمدينة الوردية لكني ولولعي بالألوان تلمستُ بنظري لون الزعفران يغرقُ أكثر في الأخاديد الصخرية ثم يظهر بخجلٍ لأنه لونٌ يقتربُ لخجلٍ إلى الحس الشاعري. الزعفرانُ تلك الزهرة النبيلة.
سأطلِقُ عليها: البتراء يا المدينةُ الزعفران.
وليد هرمز
صحراء الكرك
تموز 2016